ينعكس التصرّف العشوائي أحياناً ليصير حالة لا يُحمد عقباها! فبعض الناس ينجرفون في تيّار ما هو سائد ورائج، وما يُثير ضجّة إعلامية ويُصبح حديث الصالونات، بحيث يتغاضون عن الشقّ الأهمّ، ألا وهو الحكمة في الإختيار وتجربة الأمور المثبتة علمياً وغير الضارّة صحياً. إنّ محاولة خسارة الوزن الزائد بطريقة عشوائية وغير مدروسة مثلاً، من شأنها أن تتسبّب بمضاعفات كان المرء بغنى عنها.
ذلك أنّ وسائل التنحيف «السريعة» والتي تضمن التخلّص من كل الشحوم في مدة قياسية ليست سوى تجارة وتسويق، بعيداً عن الطبّ وعلم التغذية.
تتحوّل أحياناً نقمة الوزن الإضافي إلى مُعضلة الداء من جرّاء تناول عقاقير وحبوب تعمل على قطع الشهية وكبت الرغبة في تناول جميع أصناف المأكولات...
فقد أشارت دراسة أوسترالية نُشرت مؤخراً أنّ مادة «الكروم» الموجودة في تركيب بعض أصناف حبوب التنحيف والتخسيس وفي حبوب بناء العضلات، قد تتحوّل إلى مادة مسبّبة للسرطان داخل الجسم. ذلك من المفترض أن تُجرى العديد من الفحوصات الدقيقة للتأكّد من عدم إحتواء هذه الحبوب على الكروم منعاً لتحويل المهووسين بإنقاص وزنهم إلى مرضى من حيث لا يدرون.
بعيداً عن تناول العقاقير بشكل عشوائيّ، من المفضّل إتباع حمية غذائية صحية وممارسة الرياضة بإنتظام، وحتى إستشارة إختصاصيّ للمساعدة متى دعت الحاجة.
يشرح الإختصاصيّ في الصيدلة الدكتور عادل زينون، مساوئ حبوب التنحيف وعقاقير التخسيس، خاصة عند إدمانها وتناولها بإستمرار ولمدّة طويلة. كما تعطي الإختصاصية في علم التغذية نيكول عيد ملاّح بضع نصائح عملية للإقلاع عن الشراهة في الأكل وللسيطرة على نوبات الجوع بهدف خفض الوزن. في عصر التطوّر هذا، يمكن أن ينتقي الإنسان ما شاء من تقنيّات للتحلّي بالجمال على أنواعه. فمن التقنيات البسيطة إلى التجميل فالجراحة، مروراً بصقل القوام ونحت الجسم والتخلّص من الشوائب...
بيد أنه في بعض الأحيان، لا يكون التقدّم مفيداً. إذ إنّ الإنجراف بعيداً عن الوسائل الطبيعية لخسارة الوزن، قد يرتدّ سلباً على صحّة الإنسان وسلامته.
إذ لا يوجد سوى عدد قليل من عقاقير التنحيف الصيدلية المرخّص لها، ذلك أنّ بعض الأنواع من الحبوب تتسبّب بآثار جانبية وحتى الوفاة في بعض الحالات.
يلجأ الأشخاص اليائسون أحياناً إلى تجربة كلّ ما يتوفّر أمامهم بغية الحصول على مرادهم. فما إن يستسلموا لمحاولات خسارة الوزن التقليدية والتي تستغرق وقتاً طويلاً، حتى يتوجّهوا إلى حلول أكثر جذرية وأسرع حسب رأيهم. لكن كلّ ما يقومون به هو إدخال مواد سامة إلى أجسامهم، تقطع الشعور بالجوع وتقلّل من الشهية، وتحرم بالتالي الجسم من الغذاء الصحّيّ والمتوازن. كما أنّه إذا توقّف الإنسان عن تناول هذه العقاقير، فسرعان ما سوف يستردّ الوزن الذي خسره، وبسرعة قياسية أيضاً!
أنواع أدوية و«منتجات» التنحيف
يرى الدكتور زينون أنه يمكن تقسيم عقاقير التنحيف إلى ثلاث فئات عريضة: أدوية و«منتجات» قاطعة للشهية تعمل على الجهاز العصبيّ المركزيّ في الدماغ. منها ما هو مرخّص ويُباع في الصيدليات، وبالتالي فوائدها وأعراضها الجانبية مدروسة ومثبتة علمياً، ومنها ما يُباع بواسطة الإعلانات Free Delivery، وهي إمّا مهرّبة أو مرخّص بيعها ك«متمّمات غذائية». وهي تحتوي على مواد أو أعشاب ممنوع إستعمالها في العديد من البلدان، وتكون إمّا غير مضمونة النتائج ولكن مضمونة الأضرار، وإمّا عديمة الفعالية.
أدوية أو «منتجات» تعمل على عدم إمتصاص الدهون في الأمعاء، وهي إما من ألياف طبيعية (chisosan, nopal)، أو من مضادات الأنزيمات المهضمة (Xenical).
أدوية تعمل على إدرار البول أو تسهيل الأمعاء.
عواقب واضحة لعقاقير التنحيف!
«الخلطة السحرية» أو حتى «التجربة والإنتقاء» هي من أكثر ما يُقدم عليه الناس في عصر السرعة هذا، في ما خصّ تناول حبوب التخسيس والتنحيف. كلّما سمع المرء عن منتج يجرّبه وكلّما توافّر جديد، يكون أوّل مَن يشتري! لكن يجب القول ان عقاقير كهذه لا يجوز بتاتاً الإستخفاف بمدى قوّتها وإنعكاساتها السلبيّة.
فهي ليست حلوى يمكن إختيار ما لذّ وطاب منها... يقول الدكتور زينون «عندما يعتمد المرء على الحبوب المنحّفة لخسارة الوزن الزائد، يضع ثقة عمياء بفعاليتها، فيتخلّى بالتالي عن إتباع حمية غذائية منتظمة وسليمة. كما يتغاضى عن القيام بالحركة والرياضة، فيكون يُسيء إلى نظام حياته ولا يطوّر قدراته الجسدية. كما أنّ هذه العقاقير قد لا تناسب الفرد، كونها مُعدّة للجميع، من دون الأخذ بعين الإعتبار التاريخ الطبّيّ لكلّ شخص وحتى صحّته الجينية.
ومن الممكن أن تتفاعل الحبوب مع بعض الأدوية وتسبّب عدداً من الآثار الجانبية.
ناهيك بخطورة إدمان هذه «الأدوية» الذي يماثل إدمان المخدّرات. وقد ثبت أنّ بعض حبوب التخسيس مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بحالات خفقان القلب، وإرتفاع ضغط الدم، كما يمكنها أن تؤدّي إلى تلف صمّامات القلب. إضافة إلى كونها تسبّب الآرق والصداع والإمساك وحتى فقدان الشعر والهلوسة في حالات أكثر تطوّراً».
تعد عقاقير التخسيس بالقضاء على الشحوم في الجسم. والصحيح أنها تعمل على منع إستيعاب الدهون في مجرى الدم، بل تحوّلها للتفريغ في الأمعاء. كما أنّ نوعاً آخر من هذه المنتجات يعطي الشعور الكامل بالشبع للشخص بعد أن يتناول كماً ضئيلاً من الطعام، كما يسرّع معدّل الأيض. لذلك، يجب على الانسان معرفة ما يتناوله وما يناسب جسمه وحالته الصحيّة.
خفض الوزن
لا ضرورة للتوجّه إلى الطرق القصوى للتخلّص من الشحوم الزائدة، وإنما يمكن إجراء بعض التعديلات على نمط الحياة، مما يسمح بخسارة الدهون والمحافظة على الرشاقة والصحة معاً.
تعطي الإختصاصية في علم التغذية نيكول عيد بعض الإقتراحات المستقاة من خبرات وتجارب العديدين للنجاح في السيطرة على نوبات الجوع، للتمكّن من خفض الوزن بطريقة مضمونة وصحية دون أعراض جانبية:
•البقاء مشغولاً لتقليل التفكير
بالطعام بشكل دائم، بمعنى أنه يجب زيادة النشاط الفكري أو الجسدي لتخفيف نسبة تناول الطعام، وبالتالي لزيادة حرق السعرات الحرارية.
•شرب المزيد من السوائل:
يجب تناول نحو ليترين من الماء يومياً بين الوجبات، مما يساهم في التخفيف من الشهية والإحساس بالجوع. ففي بعض الأحيان، قد يشعر المرء بالجوع، لكنه فعلياً يكون في حاجة إلى الماء وليس إلى الطعام.
•تناول الوجبات الخفيفة:
تساهم الوجبات الخفيفة ذات السعرات الحرارية المنخفضة في التقليل من الشعور بالجوع. فالفاكهة والخضار تحتوي على ألياف تعطي الشعور بالشبع، ولا تحتوي على وحدات حرارية عالية.
•التريّث قبل الأكل: إذا شعر المرء بنوبة جوع مفاجئ عليه الإنتظار لمدّة عشر دقائق، لأنّ هذه النوبة قد تختفي بالسرعة التي ظهرت فيها.
•إبتكار أساليب تحفيزية للتقليل من الأكل: مثل تعليق صورة فستان أو أي نوع من الملابس ومحاولة الوصول إلى الوزن المناسب لإرتدائه. •إستخدام البهارات قدر المستطاع:
تساهم بعض أنواع البهارات مثل الزنجبيل والشطّة Tobasco في زيادة نسبة حرق الدهون في الجسم بمعدّل ٢٥٪ ، حسب دراسة قامت بها جامعة كيوتو في اليابان.
•الحصول على ساعات نوم كافية مما يزيد نسبة الهضم وحرق الدهون .
•ضبط المشتريات: أي الذهاب إلى السوق والتقيّد بقائمة مسبقة وعدم الذهاب إلاّ بعد تناول الطعام لعدم إشتهاء ما ليس الشخص بحاجة إليه.
•تناول الإفطار يومياً: للتزوّد بالطاقة وعدم الشعور بالجوع الشديد عند وجبة الغذاء.
•إتباع حمية معتدلة لتصبح روتيناً.
•ممارسة الرياضة والحركة بشكل دوريّ: عبر القيام بالأعمال المنزلية وفي الحديقة لتحريك كلّ عضلات الجسم وتنشيطها وإستهلاك سعرات حرارية أكثر.
•شرب الشاي الأخضر الذي يحفّز الجسم على حرق الدهون بشكل أكبر. حقائق ووقائع
عندما يشعر كلّ شخص أن وزنه يزيد عن الحدّ المرغوب به، يضيع في أمره ويقع في حيرة. إذ بالإضافة إلى تكدّس الشحوم والدهون، وتأثير ذلك على الصحة والقوام، تنشأ عقدة نفسية وخوف من نظرات الغير المُدينة.
لذلك يجرّب كلّ ما يقع أمام ناظريه في محاولات يائسة تبوء بالفشل الذريع. إنّ تناول حبوب تنحيف من دون إستشارة إختصاصيّ ومن دون القيام بحمية مرافقة أو ممارسة الرياضة، هو بمثابة الضحك على الذات ومحاولة إقناع النفس بصوابيّة ما نقوم به، وإن أدركنا في الأعماق أنّ النتيجة موقتة على أبعد حدّ أو حتى غير مضمونة.
كثيرة هي مضار عقاقير التخسيس التي تدخل الجسم وتخرّب نظامه الخاص وتعدّل الأيض وتكبت الشهية وتصرّف الماء... لذلك من المستحسن عدم اللجوء إليها في الحالات العادية والإستعاضة عنها بطرق أكثر فعالية وأماناً.
قلق من تعاطي الحبوب
أظهرت نتائج دراسات ميدانية أنّ نحو ٦٨٪ من السيدات يشعرنَ بقلق نتيجة تعاطيهنّ حبوب التنحيف، ويعتقدنَ أنّ هذه العقاقير خطر على الصحّة.
يقول الدكتور زينون «إنّ حبوب التنحيف المعترف بها مثل زينيكال وريدكتيل ينبغي أن يُترك إستخدامها للحالات الشديدة من السمنة التي تشكّل خطراً على الصحة. وهي تؤخذ بوصفة طبيب إختصاصيّ.
وأمّا بالنسبة الى الحبوب التي يمكن شراؤها من دون وصفة، فهي غالباً ما تكون غير مضمونة المفعول ولها آثار جانبية عديدة». إذ إنّ معظم هذه الحبوب تحتوي على الإفدرين والإفدرا اللتين تُعتبران من المواد المنبّهة التي قد تؤدّي إلى الإصابة بجلطات دماغية ومشاكل قلبية، ولها تأثير مباشر في الجهاز العصبيّ وإرتفاع ضغط الدم وتقلّب المزاج.
منتجات عشبية أيضاً
تجتاح الأسواق والإعلام الآن موجة من «حبوب التخسيس العشبية الطبيعية» غير المرخّص لها التي يمكن شراؤها دون وصفة طبية في بعض الصيدليات.
وتشمل هذه القائمة ألياف الحبوب ومنتجات طبيعية لقمع الشهية وحرق الدهون.
يؤكّد زينون: «كثير من حبوب التنحيف هذه هي وسائل للتحايل أو حتى سلع للتسويق. فلا يوجد أيّ دليل علميّ على فعاليتها على المدى الطويل. كما لا ضمانة للمحافظة على ما خسره المرء إثر التوقف عن أخذها.
فمعظم هذه الحبوب تعمل إمّا على قطع الشهية، أي تجويع الجسم ومنعه من الأكل، وإمّا على إدرار البول، فيخسر الإنسان الماء وليس الشحوم، مما ينعكس سلباً على سلامته ويمكنه أن يتسبّب بخلل أو قصور في الكليتين، وإمّا إلى تسهيل الأمعاء مما يؤدي إلى سوء إمتصاص الأطعمة والفيتامينات، فتكون النتيجة تنحيفاً مع أعراض سوء تغذية.
ليست هناك تعليقات